يسوع يولد في مغارة حقيرة!
مقدمة: هل تعلمون اين ولد يسوع؟ الجواب: ولد يسوع في مغارة بيت لحم! وهل تعلمون ما هي المغارة؟ هل هناك من عاش في منطقة ريفية؟ ماذا ستجد يا ترى اذا ما ذهبت الى حضيرة الحيوانات؟ الحضيرة لا تزال الى اليوم مكان بدائي، لا وجود فيها لاي اثر للهندسة والاعمار، او الفن والجمال، او الرقي والبذخ، او الكبرياء والعظمة. كل ما في الحضيرة هو جدران متهاوية آيلة للسقوط، حيوانات وسخة، رائحة كريهة، اعشاب وطعام وماء ملقى هنا وهناك.. الريح والبرد تعصفان بالمكان.. لا تدفئة فيها ولا امان ...
في مغارة حقيرة ولد يسوع ...
هل احب يسوع ان يولد في مكان غير نظيف؟ لم يرد يسوع ان يكون كذا حاله، الا اننا نحن البشر اردنا ان يكون هكذا حاله، بلا بيت.. بلا مأوى.. بلا فراش.. مسافر على الطُرق منذ ولادته.. هكذا احببنا ان نستقبل "الاهنا وربنا وملكنا ومخلصنا ومحيينا" بكل قسوة وعنجهية، وعمى البصيرة، وغياب الفهم والعقل والايمان.. هذا هو حال البشر ازاء يسوع منذ ولادته، مرورا بصلبه، والى اليوم..
المغارة: هي رمز وصورة لطبيعتنا البشرية. المغارة الوسخة هي تذكير بجنسنا البشري الضعيف وبخطايانا الكثيرة، المسيح جاء لينظف قلوبنا ودواخلنا، جاء ليضيء نورا في عتمتنا، وينشر رائحة عطرة زكية عوض رائحة نـتـانـتـنا ودنسنا، جاء ليعطي دفئا لايماننا عوض الفتور والانجماد الروحي الذي نفضل ان نبقى فيه...
- - - - -
الشرح: كثيرا ما نفتخر بما نحن عليه، وكثيرا ما نحاول ان نتبجح بما لدينا من قدرات وافكار ومشاريع وبأن الكون لن يدور الا برخصتنا او باشارة منا... وهكذا كان الحال مع الناس ايام ولادة يسوع. اذ ارادوا ان يفشلوا مخطط اللـه في خلاص البشرية. كيف نفشل نحن اذن عيد الميلاد؟
اذا اردت افشال الميلاد فكر اذن: بامجادك واملاكك ورصيدك، ومكانتك وشهرتك ومركزك، واسمك. (وللرجل): فكر بعضلاتك، وطولك، وقوتك، بعملك ومهارتك وذكائك الفردي. (وللمرأة): فكري بجمالك ورشاقتك والوان ثيابك واظافرك وحذائك والموديلات متناسية وجود الاخر..
فالميلاد ليس لهذه الغايات اطلاقا.. الميلاد هو انطلاقة وشرارة.. مثل نيزك يقدح في السماء، مثل قوس قزح يبشر بالسلام والطمأنينة. الميلاد هو قدوم ابن اللـه ليسكن وسطنا. جاء من عرشه وجبروته وبهاء مجده، ليولد وسط حيوانات ودواب وسخة، وان يقتبل الزيارة الاولى من رعاة لا يعرف الناس لهم اسم ولا هوية ولا كيان، بل هم من التائهين في البرية بلا مأوى.
ابحث اذن اولا عن ذاتك وكيانك، ادخل الى اعماق قرارة نفسك، وناد بعلو صوت ضميرك: اين اقف انا الان؟ هل يشع نور ميلاد المسيح فيّ، هل اسمع صدى بشرى الملائكة ليّ؟ هل انا مستعد لان اسير مشوار الرعاة نحو الطفل الالهي؟ وماذا يمكنني ان اقدم له هدية؟
ابحث اذن في هذا العيد عن التائه والمشرد، عن البعيد (عن العائلة والبيت والكنيسة)، ابحث عن الذي اضاع درب الرجوع. كن انت له مسيحا اخر ينير الدرب وسط الظلمة.
كن رفيقا لمن لا رفيق له،
كن اخا لمن لا اخ له،
وابا لمن لا اب له
كوني اما لمن لا ام له.
كن انت فعلا ناشر عطر المحبة في وسط المتخاصمين والمتزاعلين والذين يتبادلون الاحقاد والكره الواحد للاخر.
كن انت ملاكا اخر ينشر بشرى السلام لاخوتك البشر.
وليكن هذا العيد من خلالك وبواسطتك باب فرحة للقريب والبعيد.
ولا تكن مغارتك موحشة وحقيرة، كالمغارة التي فضل البشر ان يولد فيها المسيح...
الخوراسقف فيليكس الشابي - اريزونا