رباعية الـمـيـلاد - التامل (4):
نحن والميلاد
الخوراسقف فيليكس الشابي/ اريزونا
مقدمة:
رأينا خلال فترة
اسابيع البشارة كيف ان اللـه يظهر حنانه للبشرية بمجيء يوحنا المعمذان ليمهد
الطريق للمخلص، من خلال اُناس بارين وقديسين، استطاع ان يعمل بواسطتهم في هذا
العالم البارد القاسي المملوء من العصيان والخطيئة.
الميلاد هو الحدث
الذي فيه تجسد ابن اللـه، اخذا جسدا بشريا مثلنا من مريم. ولد ابن اللـه فقيرا لا
غنيا، غريبا لا بين اهل او اقارب، مشردا بلا مأوى بعيدا عن مدينة الناصرة، مظطهدا مهددا
بالموت من قبل الملك غير مرحب به في العالم الذي هو خلقه ويعتنى به.
تاريخيا احتفلت
الكنيسة اولا بعيد القيامة، وبعد اربعة قرون من ولادة يسوع المسيح، بدأ
الاحتفال بعيد الميلاد من اجل امحاء
الاحتفال بعيد الشمس الوثني القديم في 25 ديسمبر.
مسيحيو
اليوم:
الان قد مرت اكثر
من 2000 سنة على ميلاد المسيح. فنرى المسيحيون اشكالا وانواع من موقفهم من حدث
المسيح، نميزهم كالتالي:
أ- المسيحيون
الحقيقيون: وهم الذين يعودون الى جذور المسيحية من خلال قراءة الانجيل كلمة اللـه
وعكسها في حياتهم من خلال نموذجهم الحي والجدي. مستعدون لمساعدة الاخرين دون تمييز
جنسهم او عرقهم او لونهم او طائفتهم. مثل السامري الصالح الذي ساعد الرجل الجريح
رغم علمه بانه انسان ينتمي الى صنف الاعداء!
ب- المسيحيون
السلبيون المتذمرون: يشبهون الفريسي الذي في مثل "الفريسي والعشار"
(لوقا 18: 9- 14). هم متشبثون بارائهم دائما، بعيدا عن رغبة اللـه الذي يريد ان "يعطينا
الحياة وبوفرة" (يوحنا 10:10). انهم لا يدعون روح المسيحية تدخل قلوبهم
ويمنعونها عن الاخرين ايضا. هؤلاء يحكمون على الانسان بحسب اصله وفصله وتاريخه
وعرقه وجنسه ولونه. فيحكمون بالاعدام على البشر، وينصّبون انفسهم حكاما عوض اللـه
على بني البشر.
ج- مسيحيون بالاسم، فاترون: الصنف الثالث هم من المسحيين الذين لا يكترثون كثيرا بالمسيحية او
برسالة الانجيل. لا يفهمون بسهولة معنى التسامح والغفران ويتصرفون كما يتصرف سائر
الناس العالميون. يزورن الكنائس في الاعياد الكبيرة كالميلاد والقيامة، وبالمناسبات
العائلية كالعماذ والتناول والزواج والدفنات. الى مثل هؤلاء يقول الرب في سفر
الرؤيا "إني عالم بأعمالك، فلست باردا ولا حارا. وليتك بارد أو
حار. أما وأنت فاتر، لا حار ولا بارد، فسأتقيأك من فمي" (رؤيا 3: 15- 16). فالوضع الان مع الشباب في العالم الغربي وفي اوروبا
خاصة يشبه هؤلاء. فصارت المسيحية لا تعني لهم الكثير، ومن اولوياتهم صارت عادات السهر
والادمان. او التوجه نحو الفيس بوك الذي اضحى احد آلهة العصر. او التحول الى
ديانات اخرى كالبوذية... واشياء اخرى كثيرة!
نحن والميلاد:
الميلاد فرصة ثانية نحتفل بها، كعادة كل
عام. فرصة توقظ المؤمنين من نومهم وسباتهم. فرصة تذكرنا بالجائع والعريان والمسكين
والمعتاز، كيف لا ونحن نمر بضروف اقتصادية صعبة. تقرير جديد يقول ان بلغ عدد الناس
الذين يعيشون تحت مستوى خط الفقر في الولايات المتحدة الامريكية 46 مليون نسمة! فكم
مليونا اذن في باقي دول العالم يعيشون في الفقر؟ وكما يقول قداسة البابا فان هذا
الفقر ليس ماديا فقط بل هو انعكاس للفقر الروحي ايضا. فلماذا يحصل كل هذا؟
لقد ان الاوان الان لناخذ كتاب الانجيل من
الرف وننفض عنه الغبار. فلنفقرأ كلام اللـه في البيت، ولنصلي ليسوع في البيت، فان
لم يولد المسيح في بيوتنا ودواخلنا، عبثا نبحث عنه في الخارج في الشوارع والمحلات
والحفلات...
المسيح هو سبب مسامحتنا الواحد للاخر، هو سبب
استقبالنا وحفاوتنا الواحد بالاخر. فلنكن اذن محبين، مرحبين، متحننين، رؤوفين،
ولنعامل كل انسان نلتقيه في دربنا على انه طفل المغارة، وعلى انه هدية اللـه لنا
نحن البشر. فيولد المسيح في قلبنا من جديد ويسطع نور الميلاد على روحنا، فنغدو
تلاميذ المسيح الذين يحملون فعلا بشراه للعالم.
عيد ميلاد سعيد وكل عام وانتم بالف خير