رباعية الـمـيـلاد - التأمل (2)
أشخاص الميلاد: مريم ومار يوسف
الخوراسقف فيليكس الشابي / اريزونا
الخوراسقف فيليكس الشابي / اريزونا
الخوراسقف فيليكس الشابي / اريزونا
أ– مريم:
تعددت التفسيرات بخصوص معنى اسم مريم العبري.
فمنهم من يفسره بالمحبوبة والحلوة ومنهم من يفسره بالمرارة. مريم هي فتاة نقية
طاهرة اصطفاها اللـه وهي مخطوبة ليوسف ليجعلها ام لابنه الازلي. مريم حبل بها من
دون خطيئة وعاشت حياتها من دون خطيئة. ولدت من والدين يذكر التقليد اسميهما (يوياقيم
وحنة). وهي من عشيرة داود وبيته، اي من اصل ملوكي.
تربت منذ كانت صغيرة في الهيكل، ولم تتزوج
قط. وحبل بها بيسوع بقوة الروح القدس، وابلغها الملاك بانها "ممتلئة من
النعمة" و"الرب معك". فمعها ومن خلالها بدأ اللـه عهدا جديدا مع
بني البشر. ولقبتها اليشباع ب "ام الرب" وبانها "مباركة بين النساء".
ظلت مريم بتولا قبل واثناء وبعد ولادة الرب
يسوع. كما وظلت امينة وقريبة من الرب يسوع، محافظة عليه من الاخطار والمهالك عندما
كان صغيرا. ومشجعة اياه ليقوم بالمعجزات عندما اصبح كبيرا (معجزة قانا الجليل).
مريم فتاة فقيرة من عائلة مسكينة اختارها
اللـه ليجعلها مميزة ومشرفة على سائر بني البشر، ومن خلالها ولد ابن اللـه ليبشر
مع البشر الضعفاء المسحوقين والمعدمين. وإذ هرب جميع الرسل والرجال الموالين ليسوع
من امام الصليب، تبقى مريم امه مع يوحنا والمجدلية يواسون يسوع في ساعاته الاخيرة
الاشد حرجا والما.
مريم هي الام التي احتوت ابن اللـه خالق
الكون في احشائها لتسعة اشهر. ومريم اعطت يسوع للبشرية كلها، لانه اخذ جسده وشكله وطبيعته
الانسانية منها هي. فهي ام يسوع الناصري وهي بحق ام اللـه.
ب- يوسف ابن داود:
حسب ما سلم الينا التقليد الكنسي عن يوسف
بانه كان من احد الشباب الذين كانوا في خدمة الهيكل. وانه اذ راى الكهنة ان مريم
بدات تكبر واصبحت فتاة يافعة بعمر البلوغ، ارتأوا ان يزوجوها لانه في اليهودية لم
يكن النسك مسموحا او التبتل بل الزواج كان امر لابد منه لكل انسان. فهكذا تعمل
قرعة للشبان الذين يخدمون في الهيكل وتجرى
لهم مسابقة "مستحيلة" ليروا من يفوز بها فيتزوج من البتول مريم التي
تعيش في الهيكل والتي نذرت نفسها للـه منذ صغرها. اقتضت المسابقة ان يجلب الشبان
اعوادا يابسة ويزرعونها. ومن ثم يرون اي عود يقدح ويورق وتعود اليه الحياة هو يكون
الشاب الموعود لمريم! امام هذا الاختبار المستحيل لدى البشر، يعطي اللـه الفرصة
ليوسف ليكون هو مربي الطفل الالهي، وراعي البتول العذراء مريم ومحافظا عليها طول
حياته.
يوسف هو من عائلة ونسب ملكي. نعرف ذلك من
مخاطبة الملاك له في الحلم في الانجيل (لوقا 1: 26- 56). اذ يخاطبه الملاك بكل احترام
ووقار وهو بمكانة الامراء – ابن لداود. واذ يقبل يوسف ان ياخذ مريم الى بيته وهي
حامل، يشرع رسميا بان الطفل المولود منها "يسوع" سيسجل باسمه في
الاكتتاب الحاصل في البلاد ايام اوغسطس قيصر روما.
يوسف بدوره ايضا هو انسان فقير ومسكين، يعمل
نجارا ليكسب قوت يومه بعرق جبينه. لا يعرف التقليد كثيرا عنه، لكنه يموت على اغلب
الظن اثناء بشارة يسوع او قبلها. ولا نجد ذكره في حادثة الصليب، وخاصة عندما يسلم
يسوع امه مريم الى تلميذه يوحنا. فهذا يعني ان يوسف قد توفي، وبان مريم لم يكن لها
اولاد ابدا (كما يدعي البروتستانت الانجيليين) ولم يكن لديها من يعتني بها سوى يوحنا
اخو يعقوب ابن سالومي بنت خالتها. عيد مار يوسف حسب التقويم الكلداني يقع في الاحد
الرابع من سوبارا- البشارة. في حين ان الكنيسة الكاثوليكية الرومانية او اللاتينية،
تعيد عيد ماريوسف في 19 اذار من كل عام.
ج- مريم إمراتك ... يوسف زوجها
...
من هذه العبارات التي نقرأها في انجيل الاحد
الرابع من البشارة (لوقا 1: 26- 56) تتولد بعض الاسئلة. وقد يحرج بعض الكهنة اثناء
قراءة النص محاولين ترجمة "زوجتك" بكلمة "خطيبتك" لتفادي
الاحراج.
كيف نستطيع ان نفسر هذا الانجيل ونحافظ على
ايماننا بان مريم لم تتزوج يوسف ولم تنجب منه اولاد كما يدعي البروتستانت؟
الزواج اليهودي: ان التقليد اليهودي في زمان يوسف كان يقتضي
ان يكتتب الخطيب والخطيبة رسميا ويوقعا على عقد في المحكمة المدنية يستمر لمدة سنة
يؤكد على انهما متزوجان مدنيا. في ختام هذه السنة يأخذ الخطيب خطيبته الى بيته
ويتزوجا فعليا.
هذا كان الواقع مع يوسف ومريم. فبعد ان خطبا
الواحد للاخر، كان يوسف قد وقع العقد مع مريم. ولكن مدة السنة لم تكن قد انقضت بعد
فوجدها حبلى. من هنا اراد يوسف ان يتركها سرا ولم يرد ان ياخذها الى المحكمة
اليهودية ويحكم عليها بالرجم! اظافة الى ذلك فمجرد هروبه كان سيوجه اليه اصبع
الاتهام بانه هو كان والد الصبي وانه هرب دون ان يتحمل المسؤولية. وهنا يظهر
الملاك في الحلم ليوسف البتول ليوضح له الامور بان هناك مخططا خلاصيا اختيرت فيه مريم
لتكون اما لابن العلي وان يكون يوسف هو الراعي والمحافظ الامين على هذا الطفل الالهي.
د - ولم يعرفها حتى ولدت ابنها
البكر؟ ان كلمة "عرف - يعرف" تعني "الزواج". يقول
البروتستانت ان يوسف لم يعرف مريم قبل ولادة يسوع، لكنه عرفها بعد الولادة وبانه
كان لهما اولاد من بعد يسوع والانجيل يذكر ذلك في عدة مواضع بان يسوع كان له اخوة
واخوات؟ (راجع متى 13: 55- 56) وإذا كان هناك بكر فاذن هناك اخرون... والسبب في
تفسيرهم هذا هو الاتكال الحرفي على نصوص الانجيل وهو ما يقود احيانا كثيرة الى
الزلل والغلط في التفسير.
اولا قضية الاخوة والاخوات:
هم من اقرباء يسوع المقربين، والذي حسب
تقليدنا الشرقي والذي لا يزال مستمرا يسمون بالاخوة. ولا ننسى ان الانجيل كتاب
شرقي كتب في اسرائيل في الشرق الاوسط. فالى حد اليوم لا يزال اولاد العم في الشرق
الاوسط يسكنون بجوار الواحد الاخر ويطلقون على بعضهم لقب الاخ! وكون ان العائلة
الواحدة لها اطفال كثيرون، فيحدث ان يتزوج الابن الاكبر وينجب طفلان في حين ان
ابواه ينجبون طفلا اخر. وقد يكون العم اصغر عمرا احيانا من ابن الاخت او ابن الاخ.
وبهذ الطريقة فهؤلاء كانوا من اقرباء يسوع. حالهم حال يوحنا المعمذان وابني زبدى
وغيرهم اخرين... وليسوا لا ابناء يوسف من زواج سابق ولا اولاد مريم، فهذا كله سوء
تفسير للانجيل.
ونفس المنطق يستعمل الان في المهجر. فكل
الكلدان في امريكا مثلا ينادي احدهم الاخر بلقب "ابن عمي-Cousin" فهذا لا يعني انهم كلهم اولاد عم بالضرورة.
لكنه يعني نوعا من الانتماء والقرابة الواحد للاخر.
ثانيا: بتولية مريم
ان الكنيسة الكاثوليكية تؤمن ايمانا ثابتا ببتولية
مريم. والكنيسة الارثوذكسية ايضا. اما تفسير جملة "ولم يعرفها حتى ولدت ابنها
البكر" فتعني انه لم يعرفها حتى بعد ان ولدت ابنها البكر، ولا تعني انه عرفها
بعد ولادته كما يقول الغير الكاثوليك من الغربيين.
كلمة
"حتى" التي تأتي في الانجيل لها هنا معنى مهم. يذكر صاحب كتاب "الجواب
من الكتاب" الاب يعقوب سعادة مستشهدا بالقديس هيرونيموس قائلا:
"انها تنفي الماضي لكنها
لا تقول شيئا عن المستقبل". ويعطي امثلة اخرى من الكتاب المقدس: "لم يعد
الغراب الى تابوت العهد حتى جفت المياه" (تكوين 8: 7). فهل يعني هذا ان
الغراب عاد الى التابوت ثانية بعد الطوفان الجواب هو : لا. وايضا يقول الرب
للمسيح، سيد داود: "قال الرب لربي، اجلس عن يميني حتى اجعل اعدائك موطئا
لقدميك" (مزمور 109/ 110: 1). فهل هذا يعني ان المسيح سيفقد مكانته عن يمين
الاب بعد ان وضع اقدامه تحت قدميه؟
خاتمة:
من هنا اخوتي فان اشخاص الميلاد هم اشخاص
اطهار اصطفاهم اللـه ليخدموا ابنه الوحيد سيدنا يسوع المسيح. وهم خصصوا حياتهم لخدمة هيكل الرب طوال حياتهم.
فلنبتهل الى اللـه ليكون في عوننا ومساعدتنا لنخدم ابنه في حياتنا وفي بيوتنا
وعوائلنا وكنائسنا بقلوب نقية بعيدة عن شوائب التضليل والكذب والمصالح الشخصية لان
كل هذه تزيد من وسخنا وخطيئتنا، وتحجب عنا الرؤية الطوباوية لميلاد المخلص في
قلوبنا.